سورة التين

صباح مليء بالتفاؤل والأمنيات
صباح مشرق بالذكر والإستغفار .
هيا بنا سويا نبحر في ظل سورة قصيرة
معانيها عظيمة تخبرنا فيها عن نوعية الحال
الإنساني وما ينتهي إليه أمره من التدني
ودخول جهنم إن عادى رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم، أو دخول الجنة إن آمن به وعمل صالحا.
فعن أي سورة نتحدث ؟
سورة التين 
سبب التسمية :
يُقَالُ ‏لهَا ‏‏ ‏سُورَةُ ‏التينِ ‏‏ ‏بِدُونِ ‏الوَاوِ .
التعريف بالسورة : 
1  - سورة مكية .
2  -من المفصل .
3   - آياتها 8 .
4  - ترتيبها بالمصحف الخامسة والتسعون .
5  - نزلت بعد سورة البروج .
6   -بدأت باسلوب قسم " والتين والزيتون وطور سنين ".
7  -الجزء (30) ـ الحزب 60ـ الربع ( 7)
محور مواضيع السورة :
يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ مَوْضُوعَيـْنِ بَارِزَيْنِ هُمَا :
1   -الأَوَّلُ ـ تَكْرِيمُ الَّلهِ جَل وَعَلاَ لِلنَّوْعِ البَشَرِي.

2   -الثَّاني   -مَوْضُوعُ الإِيمَانِ بالحِسَابِ وَالجَزَاءِ.
شرح الكلمات
(والتين والزيتون)(1 )
(قسمٌ) بِمنْـبـَتـَيـْهما من الأرض المباركة.
(وطور سِنين)( 2 )
جَبَلِ المُناجاة ِللكَلِيم عليه السلام.
(البلد الأمين)(3 )
مكة المكرّمة
(لقـَـدْ خَلـقـْـنا)(4)
(جوابُ القسم) بالأربعةِ قَبلَه
(أحْسَنِ تقويم)(4 )
أكْمَلِ تَعدِيلٍ وأحسنِ صُورَةٍ
معاني الآيات ( 1_4)
(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)( 1)
( التين ) هو التين المعروف، وكذلك
( الزَّيْتُونَ ) أقسم بهاتين الشجرتين،لماذا ؟
لكثرة منافع شجرهما وثمرهما، ولأن سلطانهما في أرض الشام،
محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام.
( وَطُورِ سِينِينَ )(2)
أي: طور سيناء،
محل نبوة موسى صلى الله عليه وسلم.
( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ )(3)
وهي: مكة المكرمة،
محل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
فأقسم تعالى بهذه المواضع المقدسة، التي اختارها وابتعث منها أفضل النبوات وأشرفها.
     أين المقسم عليه ؟ المقسم عليه هو :
( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )
أي: تام الخلق، متناسب الأعضاء، منتصب القامة، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرًا أو باطنًا شيئًا،
قاعدة مهمة قبل الوقفات عند الآيات
قاعدة هي :
أن الآية تُحمل على المعنيين.. ما دام ليس بينهما اختلاف..
نقول: ممكن هذا.. فنقول:- أن الله تعالى.. أقسم بالتين والزيتون
ذلك النبات المعروف.. وهي أيضاً متضمنة القسم
بالإشارة إلى أماكنها وأماكن خروجها..
فلا مانع: - أن يكون القسم في الأصل بالنبات.. لكنه يُشير إلى المكان الذي يخرج فيه..  عبد الرحمن الدهش
 وقفات مع الآيات 
سنقف وقفتين عند هذه الآيات الثلاث
( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) (1) (وَطُورِ سِينِينَ) (2) (وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) ( 3)
الوقفة الأولی
فضل هذه الأماكن . ولو تأملنا في هذه الأقسام الأربعة،
لوجدنا بينها ترابطًا عجيبًا إذ أنها تشير إلى مواطن الرسالات السماوية الكبرى لبعض أولي العزم من الرسل .
فالتين والزيتون تنبت في أرض الشام،(بيت المقدس )
وهي موطن أكثر أنبياء بني إسرائيل، ومنهم عيسى ابن مريم - عليه السلام -، إذ كان عيسى - عليه السلام - آخر أنبياء بني إسرائيل، وتبعه فئام كثير من البشر.
وأما طور سينين: فهو الموضع الذي أرسل منه موسى - عليه السلام.
  وأما البلد الأمين: فمكة، موطن أشرف الرسالات؛ رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم – . (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) أشار إليه بلفظ (هذا) لقربه.
فحينما يسمع المؤمن القسم بهذه المذكورات، فيبصر هذه الملل
، كالحلقات المتصلة، في سلسلة واحدة، يشد بعضها بعضًا، حتى ختمت بالرسالة المحمدية الخالدة، فهيمنت على ما سبقها، وصارت حاكمة،
وقاضية، وناسخة، لما سواها.
الوقفة الثانية .
مميزات كل منها علی حدا.
1  - ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) [: 1]
‏ القسم بكلٍّ من التين والزيتون؛ إشارة إلى ما فيهما من :
قيمة غذائية كبيرة وتكامل في المحتوى كغذاء للإنسان‏.
كيف هذا ؟
الزيتون وزيته غنيّان بالدهون والبروتينات
وفقيران في الكربوهيدرات ‏(‏السكريات والنشويات‏)،
بينما التين غني بالسكريات والمركبات النشوية وفقير في المواد الدهنية والبروتينية،
ومن هنا كان التين والزيتون معا يكمّلان حاجة الإنسان من المواد الغذائية،‏
وهي لفتة علمية معجزة في كتاب أُنزل من قبل ألف وأربعمئة من السنين‏.‏
2 - (وَطُورِ سِينِينَ) (2)
وهو الجبل المكسو بالخضرة وهو طور سيناء أو جبل موسى أو
       جبل المناجاة وقد ذكره ربنا تبارك وتعالى في اثنتي عشرة آية من آيات القرآن الكريم وسميت باسمه إحدى سوره 
‏(‏سورة الطور‏)
3 - (وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) ( 3)
مكة المكرمة التي بها الكعبة المشرفة  وهنا وقفة مع الكعبة المشرفة ونقول الكعبة المشرفة مركز الكون كيف هذا  ؟؟؟ تأمل معي جيداا
الكعبة هي مركز الأرض ومن دونها ست أراضين ومن حولها سبع سموات والأرض مركز الكون . إذا تصبح الكعبة المشرفة مركز الكون . أول يابسة علی الأرض الكعبة المشرفة هي أول يابسة ظهرت على وجه ماء المحيط الغامر الذي بدأت به الأرض‏، ثم نمت اليابسة من حول هذه البقعة المباركة لتكون قارة واحدة هي القارة الأم .
‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏
هنا نقف ونتأمل في التعانق الشديد والتلاحم الذي بين المُقسَم به والمُقسَم عليه وهناك قاعدة تقول أن القرآن الكريم مبني على التناغم والتناسق وليس على التناشز والتناقض معاذ الله.
      
أقسم الله تعالی : بالتين والزيتون وطور سينين البلدالأمين
فأين المقسم عليه (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَن ِتَقْوِيمٍ)
هذا هو المقسم عليه، أقسم الله تعالى أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، وهذه الجملة التي فيها المقسم عليه
مؤكدة بثلاثة مؤكدات‏:‏
القسم، واللام، وقد،
أقسم الله أنه خلق الإنسان ‏{‏فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏
ولها معنيان :في أحسن هيئة وخِلقة و‏{‏فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏
فطرة وقصدًا، لأنه لا يوجد أحد من المخلوقات أحسن من بني آدم خلقة،
فالمخلوقات الأرضية كلها دون بني آدم تجدها مكبة على وجوهها، مثل سائر الحيوانات، والطيور،
أما الإنسان فإنه معتدل الخلقة، منتصبًا على قدميه.
فيرجع هذا إلى كمال خلقته، واستوائها، ويدخل في هذا المعنى،
سلامة الفطرة، وأنه خلق سويًا، على الفطرة الأصلية؛ الموافقة لدين الله، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ) [الروم : 30]،
فالفطرة هي خلق الله، التي يسعى الشيطان لإغراء الناس بتغييرها:
(وَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ). 
 تذكر .. تذكر ...تذكر .. 
تذكر
الترابط بين الملل، والشرائع السماوية، الكبرى، وهي:
 دين موسى
- عليه السلام -، ودين عيسى - عليه السلام -،
 ودين محمد - صلى الله عليهم جميعا وسلم - ودينهم جميعًا هو الإسلام.
ولكنه الإسلام بالمعنى العام، الذي يعني: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
والإسلام، بالمعنى الخاص:هو ما بعث الله به محمد - صلى الله عليه وسلم - من العقائد الصحيحة، والشرائع العادلة، والأخلاق القويمة، والآداب الرفيعة.
ولهذا لا نقول  اليهودية، والنصرانية أديان سماوية

 كما يقول بعض الناس -
فإن موسى - عليه السلام - لم يبعث باليهودية،
وعيسى - عليه السلام - لم يبعث بالنصرانية،
وإنما بعثوا جميعًا بالإسلام، قال الله - عز وجل -:
(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا.) وإنما تتنوع الشرائع،
(الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) [رواه مسلم].
تذكر
أن الأصل سلامة الإنسان، واستواء خلقه، ظاهرًا وباطنً . كما قال النبي صلی الله عليه وسلم (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ)    [متفق عليه]. د.أحمد القاضي
تذكر
كيف أقسم الله بالتين والزيتون بين سائر المخلوقات الشريفة
فعن ابن عباس: هو تينكم وزيتونكم
ومن   خواص التين 
أنه غذاء فاكهة ودواء لأنه طعام لطيف سريع الهضم ما بين الطبع، ويخرج بطريق الرشح ويقلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل ما في المثانة من الرمل ويسمن البدن ويفتح مسام الكبد والطحال. ظاهره كباطنه ماله قشر ولا نواة له التين يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج.
تذكر
الإعجاز العلمي في خلق شجرة التين
ثمرة التين هي ثمرة غير حقيقية مركبة، تتكون نتيجة لنمو نورة مخروطية الشكل تحوي بداخلها الأزهار المؤنثة التي تبطن جدار النورة من الداخل‏،
تذكر
الزيتون وزيته جاء في سبعة مواضع مختلفة من كتاب الله‏،
 منها
القسم به مع التين في مطلع سورة التين‏،
 وشجرة الزيتون شجرة مباركة وكذلك ثمرتها‏، فهي شجرة
معمّرة قد تعيش لأكثر من ألف سنة، 
وتعتبر من أهم نباتات الزيوت‏
، ويعتبر زيتها من أصح الزيوت والسبب في ذلك يرجع الی
إحتوائه على نسبة ضئيلة من الأحماض الدهنية، وأن ما به من دهون هي دهون غير مشبعة؛ ولذلك لا تتسبب فيما تتسبب فيه بقيه الزيوت من ارتفاع نسبة الدهون الضارة بالدم مما يؤدي إلى
تصلب الشرايين وضيقها وانسدادها‏، وارتفاع ضغط الدم‏،‏ وغيرها من الأمراض‏.‏
 الدروس العملية
1  -أن لله تعالی الحق في أن يقسم بسائر المخلوقات .
2 - الإكثار من قول الحمد الله . (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)  (4)
3  -أبحث عن الإنسانية الحقيقية وهي التي فيها يحافظ الإنسان على خلقه القويم، فيكون عبدًا لله حقاً.وإذا تحقق ذلك صلح كل شيء.و إبتعد عن الإنسانية الزائفة من ذرف دموع، أو رقة عاطفية.
4  -إحرص عل بقاءك نقيا كما ولدت وابتعد عن ملوثات الشيطان .
5  -احفظ هذا الحديث القدسي  جيدا وتذكر دائما أنك خلقت علی الفطرة السليمة السوية (خَلَقْتُ عِبَادِى حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ) [رواه مسلم].
المصادر
التفسير .. السعدي . ابن كثير
الوقفات وتذكر .. د.أحمد القاضي ..
د. زغلول النجار .النيسابوري ..
د.محمد النابلسي.المغامسي .ابن عثيمين
مجموعة
( رتل القرآن ترتيلا ) تدبر
العنوان عبر الاسكايب
ratelquran1
مع إشراقة الصباح المليئة بالحب والصفاء والتدبر .
نبدأ يومنا بإفطار شهي لا يكتمل  إﻻ ومعه الزيتون .
فلنأكمل الإفطار الشهي
 وبعدها نأتي سويا لنكمل تبحرنا في هذه السورة العظيمة
 
    سورة التين من ( 5_8 )
فضلها
أخرج الجماعة في كتبهم ومالك في موطئه عن البراء بن عازب: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأ في سفره في إحدى الركعتين بالتين والزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه.
محور الآيات ( 5_8)
بيان انحدار مستوى الإنسان وزجّ نفسه في نيران جهنم بسبب كفره باللَّه تعالى ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإنكاره البعث والنشور، بالرغم من توافر الأدلة القاطع على قدرة اللَّه عزّ وجلّ بخلق الإنسان في أحسن تقويم: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ [5] .
واستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [6] .
إعلان مبدأ العدل المطلق في ثواب المؤمنين، وتعذيب الكافرين:
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ، أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ [7- 8] .
شرح الكلمات ( 5_8 )
(ردَدْناه)( 5 )
ردَدْنا الكافرَ أو جـِنسَ الإنسان
(أسفل سافلين)( 5)
إلى النار أو الهَرمِ وأرذَلِ العُمُر
(غير ممنون)( 6 )
غيرُ مَقطُوعٍ عنهم
(بالدّين)( 7 )
معاني الآيات من ( 5_8)
( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ )(5)
أي: إلى النار. ثم بعد هذا الحسن والنضارة مصيره إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل؛ ولهذا قال:
( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )
وقال بعضهم:

( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ )
أي:إلى أرذل العمر. رُوي هذا عن ابن عباس، وعكرمة - حتى قال عكرمة:من جمع القرآن لم يُرَدّ إلى أرذل العمر. واختار ذلك ابن جرير. ولو كان هذا هو المراد لما حَسُن استثناء المؤمنين
 
من ذلك؛ لأن الهَرَم قد يصيبُ بعضهم، وإنما المراد ما ذكرناه، كقوله:
وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (العصر:1 – 3(
( فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ )( 6)
( فَلَهُمْ ) بذلك المنازل العالية، و( أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ )
أي: غير مقطوع، بل لذات متوافرة، وأفراح متواترة، ونعم متكاثرة، في أبد لا يزول، ونعيم لا يحول، أكلها دائم وظلها،
( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) (7)
 
يعني: يا ابن آدم  أي شيء يكذبك بالجزاء في المعاد وقد علمت البدأة، وعرفت أن من قدر على البدأة، فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى،
فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد
عرفت هذا وقد رأيت من آيات الله
الكثيرة ما به يحصل لك اليقين، ومن نعمه ما يوجب عليك أن لا تكفر بشيء مما أخبرك به،
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصور قال:قلت لمجاهد: ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) عنى به النبي صلى الله عليه وسلم قال:مَعَاذ الله عنى به الإنسان. وهكذا قال عكرمة وغيره.
( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ )(8)
أي: أما هو أحكم الحاكمين، الذي لا يجور ولا يظلم أحدًا، ومن عَدْله أن يقيم القيامة فينصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه. وقد قدمنا: وقفات مع الآيات 
(ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) [ 5]
رددناه ليس نفس الإنسان المهتدي وإنما الكلام عن الإنسان بالعموم، رددناه أسفل سافلين بالانتكاس عن فطرة الدين واتخاذه منهجاً بدل منهج الإيمان.
معظم الناس قد شاهدوا خلق الله لهم في أحسن تقويم ثم رضوا بالدون فكفروا ولم يزكوا أنفسهم فالإنسان بطبعه ظلوم جهول .
وهنا نجد إشارة إلي إمكانية ارتداد الإنسان إلي أسفل سافلين في الدنيا والآخرة‏,‏ وهو أشرف مخلوقات الله إذا كان مؤمنا صالحا‏,‏ وأحقر هذه المخلوقات وأبغضها إلي الله إذا كان كافرا أو مشركا أو ظالما متجبرا‏,‏
أوفاسقا فاجرا‏,‏
والعلوم السلوكية تثبت هذا الارتداد الدنيوي إلي أسفل سافلين عند كثير من البشر في أيامنا هذه‏.‏
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [ 6]
أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيكرمهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الدنيا برعايته وعنايته وفضله وكرمه وجوده ومنه وعطائه وإحسانه‏,‏ ورحمته‏,‏ وفي الآخرة بإدخالهم في نعيم جناته ورضوانه‏,‏ وبإعطائهم أجورهم كاملة غير منقوصة‏,‏ ولا ممنونة‏.‏
(فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) [ 7]
هنا السؤال تقريري فلنقف عند هذه الآية ونسأل انفسنا
هل من داع لترك الدين

هل من مبرر عقلاني أو مصلحي يجعلك تكذب بالدين
إذا كان الجواب : قطعا لا  فما الذي يجعلك تفعل هذا إنها الآخرة الغائبة
هذه الآخرة لو وضعناها في حسباننا لحسمت
القضية وما وجدنا أدنی مبرر بترك الدين
تتمزق ويصبح عندك فصام بين ما تتمنى وبين ما تعيش،
فصام نكد ورب العالمين توعد أن من
أعرض عن منهجه يعيش حياة الضنك
والشقوة ويسلط عليه الشياطين يتناوشونه فلمَ أجعل نفسي نُهبة للشياطين ولأجل ماذا هذا الإسلام العظيم متطابق مع الفطرة والوعي واللاوعي سواء
 والفطرة سواء فإذا أنت
اعتنقت الدين منهجاً ونظاماً لحياتك انسجمت مع كينونيتك، مع فطرتك، مع
كون ربك، انسجمت مع شرع ربك سبحانه وتعالى سعدت وأسعدت والتزمت حدك وما تعدّيت على غيرك، هذه الراحة والسلام الاجتماعي والسلام مع الكون.وهنا أختلف في معنی الدين 
الدين :
هو الدينونة، التي بمعنى الجزاء، والحساب، .فيكون الاستفهام: للاستنكار،
يعني: كيف يكذب الإنسان بالدينونة والله - تعالى – قد بين أنه قد خلقه في أحسن تقويم، وأن جزاء الكافر أن يرد في أسفل سافلين، وأن جزاء المؤمن أجر غير ممنون، وهنا يكون الخطاب موجه إلى المكذب، الذي هو الكافر، المنكر للبعث.
(الدين)
بمعنى الحكم والقضاء. فلا يسوغ إذا كان الإنسان يعلم بأن الكافر يرد إلى:
(أسفل سافلين)، وأن المؤمن يؤتى أجرًا غير ممنون، أن يعصي الله - عز وجل -، بل يجب عليه أن يمتثل أمره، وأن يجتنب نهيه، وأن يصبر على
قضائه؛ لأن الله - سبحانه وتعالى –
هو المثيب، وهو المعاقب، فإذا كان هو المثيب وهو المعاقب، فلابد أنه يأمر وينهى، ويقضي ويحكم.
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (8 )
فهل  تقتضي حكمته أن يترك الخلق سدى لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون أم الذي خلق الإنسان أطوارًا بعد أطوار،
وأوصل إليهم من النعم والخير والبر ما لا
يحصونه، ورباهم التربية الحسنة، لا بد أن يعيدهم إلى دار هي مستقرهم
وغايتهم، التي إليها يقصدون، ونحوها يؤمون.
(بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)  (8)
الحكمة
    كلمة عظيمة ولكن ما ذا تعني الدين حكمة، الفطرة التي أقامها فيك سبحانه وتعالى حكمة وجعل الفطرة متطابقة مع الدين حكمة
وما يحكم في الآخرة يحكم بالعدل المطلق حكمة،
فالسؤال مطلق عام للدنيا وللآخرة يشمل الوجود كله، يشمل الكتاب ويشمل الكون ويشمل كل شيء
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)
بلى بالقطع واليقين.: معلومات إضافية مهمة  في حديث أبي هريرة مرفوعًا: « فإذا قرأ أحدكم ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) فأتى على آخرها: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين » .
جاءت  جواباً للسؤال. ولكن الرواية جاءت من طريق قتادة، مرسلة، وجاءت عن قتادة منسوبة إليه، يعني: بسند مقطوع.
فالإسناد الأول، يسمى منقطع،
والثاني مقطوع. فهو لم يثبت.
وممن ضعفه الألباني - رحمه الله -
وكذلك الحال عند قول الله - تعالى -
(أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)، لم يصح في جوابه رواية مرفوعة. ولا بأس أن يأتي الإنسان بجواب مناسب لسؤالٍ ملقى، لكنه لا يفعل ذلك على سبيل الالتزام، لأن هذا يحتاج إلى توقيف.
لا يصح أن يلقب أحد ب (أبو الحكم) والسبب
لما فيه من بلوغ الغاية في الحكم، فإن أبا الشيء، كأنه المستبد به، المستوعب له، والمستولي عليه، وهذا لا يكون إلا لله - عز وجل – فإن الله - تعالى - له المثل الأعلى.
الدليل : لما وَفَدَ أبو شريح، - رضي الله عنه - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِى الْحَكَمِ فَدَعَاهُ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: « إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ ».فَقَالَ: إِنَّ قَوْمِى إِذَا اخْتَلَفُوا فِى شَىْءٍ، أتَوْنِى فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِىَ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ ». قَالَ: لِى شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ. قَالَ: « فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ ». قُلْتُ: شُرَيْحٌ قَالَ: « فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ ».
[رواه أبو داود، والنسائي، وصححه الألباني].
: تذكر .. تذكر .. تذكر 
منة الله لعباده الصالحين من الإيمان
والعمل الصالح والثواب كلها منة من غير أذی .
أما منة الدنيا فربما تكون بها أذی بمنة عليك في كل مناسبة يقول‏:‏ فعلت بك أعطيتك وما أشبه بالذل . أن الدين الوحيد الذي يرتضيه ربنا‏ (‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده هو الاسلام الذي أنزله ربنا (‏ تقدست أسماؤه‏)‏ علي فترة من الرسل‏,‏ ثم أكمله وأتمه وحفظه بنفس لغة وحيه‏ (‏ اللغة العربية‏)‏ في رسالته الخاتمة التي بعث بها النبي الخاتم والرسول الخاتم
(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏).‏
‏ أن الإيمان الصادق يتتبع العمل الصالح‏.‏
أن الذي يكذب بالدين الخاتم مطرود من رحمة رب العالمين‏,‏ محكوم عليه بالشقاء في الدنيا والآخرة‏,‏ وإن كثر ماله وجاهه وسلطانه‏.‏
‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو أحكم الحاكمين‏.‏
أن النجاة عند الله لا يكون بمجرد الدعاوى وإنما بالإيمان بإذن الله والعمل
الصالح بعد رحمة الله ،
ورحمة الله إنما تُستدر بالإيمان والعمل الصالح .
خلق ابن آدم خلقة سوية، معتدلة من الناحية الظاهرية، وخلقة سوية، معتدلة من الناحية الباطنية، لكونها على الفطرة الأصلية،،،
أن الكافر أفسد ذلك بكفره، فكان جزاؤه أن رد في (أسفل سافلين)، فهوى في الدرك الأسفل من النار،،،
وأما المؤمن قد عصمه الله – تعالى – بإيمانه، وعمله الصالحات، فكافأه بالأجر غير الممنون.
إن الله تعالى يقرن كثيرًا بين الإيمان، والعمل الصالح،  لتلازمهما؛
فلا إيمان بلا عمل.

 الدروس العملية 
1  -علينا أن نرضى بالله تعالى وبكتابه العظيم حكما وهدى ورحمة .
2  - إياك أن تقسم بأبيك أو بتراب أبيك نحن لا نقسم إلا بالعظيم وهو سبحانه يقسم بما شاء من زمان عظيم، من مكان عظيم ونحن ليس لنا أن نقسم إلا بما شاء هو وهو شاء أﻻ نقسم إﻻ بذاته العليه
( والله .. وأيم الله ..وجلال الله )
3   -أكثر من العمل الصالح وقوي إيمانك بالله لأنهما السبب في المحافظة على كرامة العبد عند الله.
(ثم رددناه أسفل سافلين (5) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون (6)).
المصادر
التفسير .. السعدي .. ابن كثير .. الزحيلي
الوقفات وتذكر
د.أحمد القاضي   د.زغلول النجار .. ابن
عثيمين ... النابلسي .. محمد الخضيري ..
د. أحمد نوفل.. المغامسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق